يلحظ المراقبون والمتابعون ما يشهده الاقتصاد السعودي من نجاحات وتقدم نتيجة استمرار الحكومة في تنفيذ رؤية السعودية 2030 وبرامج التحول، إضافة إلى تفاعل القطاع الخاص والمواطنين عبر تبنّي النهج الإنتاجي ومراعاة الابتكار والرقمنة في أعمالهم ومشاريعهم، وكل ذلك يمكن إرجاعه إلى النتائج الإيجابية الواضحة للإصلاحات الهيكلية وتنفيذ الاستراتيجيات، مما أسهم في تحقيق أهداف الحد من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل وتعزيز التنافسية تباعًا وبتدرج تصاعدي يبعث على مزيد من الثقة العالمية والمحلية في الاقتصاد السعودي ويحفز على المزيد من المشاركة في قطف ثمار هذه التحولات.
الأرقام ترسم الواقع
وفقًا للبيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة لعام 2025م الذي أصدرته وزارة المالية اليوم، فقد واصل الاقتصاد السعودي تحقيق تطورات إيجابية ملموسة خلال الأعوام القليلة الماضية، مع استمرار التحول نحو تنويع القاعدة الاقتصادية، وتعزيز نمو الأنشطة غير النفطية، وهو ما انعكس إيجابًا على مستويات التوظيف وبالتالي انخفاض معدلات البطالة، وساهم أيضًا في نمو الاستهلاك والاستثمار الخاص، إذ شهدت الأنشطة غير النفطية بالأسعار الثابتة نموًا إيجابياً بلغ في المتوسط نحو 5.8% خلال السنوات الثلاث الماضية وذلك نتيجة انتعاش وازدهار القطاعات الواعدة مثل قطاعات: السياحة والترفيه، والنقل والخدمات اللوجستية، والصناعة، مع تسجيلها أعلى مستوى تاريخي على الإطلاق عند 1.7 تريليون ريال وبمساهمة 50% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2023م.
ويشير البيان إلى أن هذه العوامل وزيادة مساهمة القطاع الخاص والنمو المستمر في مجموعة من القطاعات الواعدة، ساعدت في تقليل تأثير تقلبات أسواق النفط على الاقتصاد المحلي.
الناتج المحلي .. مرآة لا تكذب
يُعد الناتج المحلي الإجمالي مقياسًا مهماً لتقدير وضع وحجم اقتصاد الدول، ورغم وجود بعض الاختلافات النظرية في كيفية قياس هذا الناتج بين المدارس الاقتصادية فإن الغالب أن ذلك تم عبر طريقة تحليل الإنفاق على السلع الاستهلاكية، والاستثمارات الجديدة، والإنفاق الحكومي، وقيمة ونوعية الصادرات.
وفي هذا الصدد توقع البيان التمهيدي لميزانية العام المالي 2025م في تناوله المركز للاقتصاد المحلي أن يستمر في تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال عام 2024م وعلى المدى المتوسط، مدعومًا بكلٍ من الاستهلاك والاستثمار الخاص، مع استمرار الإصلاحات الهيكلية بما فيها تنويع الاقتصاد، وتعزيز الخصخصة، وتحسين بيئة العمل، وتمكين المرأة والشباب، وإصلاح سوق العمل، بالإضافة إلى الاستراتيجيات المنبثقة من رؤية السعودية 2030.
وباستعراض توقعات عام 2024م، يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 0.8%، مدعومًا بنمو الأنشطة غير النفطية التي من المتوقع أن تسجل نمواً بنحو 3.7%، ويعزز ذلك المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي شهدها النصف الأول من عام 2024م خاصة تلك المتعلقة بالاستهلاك والاستثمار الخاص.
وأشارت الأرقام التي تضمنها البيان إلى استمرار نمو الاستهلاك الخاص خلال النصف الثاني من عام 2024م، حيث نما بمعدل 2.4% في النصف الأول من عام 2024م، مدفوعًا بمساهمة نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق مع تسهيل إجراءات تأشيرة زيارة المملكة، وتوسيع الفئات المؤهلة لتأشيرة الزيارة، وانعكاساتها على زيادة أعداد زوار الفعاليات الترفيهية والثقافية والوجهات السياحية، حيث استقبلت المملكة 60 مليون سائح في النصف الأول من عام 2024م، بنسبة نمو 10% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، فيما بلغ إجمالي إنفاقهم ما يقارب 150 مليار ريال بحسب بيانات وزارة السياحة، مما يعزز من مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني واستمرار الجهود المبذولة لتعزيز القطاع وجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
كما استمرت مساهمة نشاط الصناعات التحويلية في الأنشطة غير النفطية مدعومًا بزيادة عدد المصانع التي بدأت بالإنتاج منذ بداية العام حتى نهاية شهر أبريل 2024م بحوالي 308 مصانع، بإجمالي استثمارات بلغت 5.7 مليار ريال، وزيادة عدد التراخيص الجديدة بحوالي 410 تراخيص لنفس الفترة. وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي على نمو الصادرات السلعية غير النفطية خلال النصف الأول من العام الحالي حيث سجلت نموًا بمعدل 7.5% مقارنة بالنصف الأول من عام 2023م.
الإنفاق التحولي والاستدامة
يشير البيان التمهيدي إلى استمرار الحكومة في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 من خلال مواصلة جهودها نحو استكمال الإصلاحات المالية والاقتصادية والتي تشمل تبنّي سياسة مالية تهدف إلى الموازنة بين استغلال المساحة المالية المتاحة الناتجة عن المركز المالي القوي للحكومة متمثلًا في وجود احتياطيات مالية ومستويات مستدامة للدين العام تعد منخفضة عند مقارنتها بنظيراتها من الدول، مع استمرار رفع كفاءة الإنفاق وترتيب أولويات الإنفاق عبر تسريع تنفيذ بعض المشاريع والاستراتيجيات الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام، وتحديث الجدول الزمني لمشاريع أخرى؛ وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتنويع القاعدة الاقتصادية لتصبح أكثر استدامة، مع تعظيم العوائد والمكاسب الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التركيز على تعزيز جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتمكينهم عبر الاستمرار في تعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية وتوجيهها إلى الفئات المستحقة.
معدل التضخم
من أهم علامات نجاح السياسات الاقتصادية والمالية التي يلمسها الناس هي تكاليف معيشتهم مقارنة بالآخرين، وفي الوقت الذي تعيش فيه كثير من دول العالم والاقتصادات المتقدمة تضخمًا خرج في بعض الأحيان عن السيطرة رغم سياسات التشديد النقدي، يحظى المستهلك في المملكة من المواطنين والمقيمين بأسعار استهلاك تمت السيطرة عليها ليكون التضخم في الحدود المقبولة مقارنة ببقية العالم.
وأورد البيان تسجيل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفاعًا عند 1.6% منذ بداية العام حتى شهر أغسطس 2024م مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. وتشير التوقعات الأولية إلى وصول الرقم القياسي لأسعار المستهلك لكامل عام 2024م إلى حوالي 1.7%، حيث حافظت المملكة على مستويات مقبولة نسبياً مقارنة بالتضخم العالمي بفضل التحسن المستمر في الظروف الاقتصادية للمملكة، بالإضافة إلى التدابير الاستباقية والسياسات التي اتخذتها الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار، التي شملت وضع سقف لأسعار البنزين، ورفع مستوى وفرة المخزون الغذائي.
التقارير الدولية
من يبحث عن اقتصاد ناجح يقتبس منه بعض الأفكار، أو يستوحي منه كيفية تذليل العقبات وتغيير الذهنية العامة للأفضل من التفاعل والإنتاج والمساهمة الفاعلة في تقوية أوضاعهم الشخصية ومن ثم في اقتصاد بلادهم يمكنه النظر بتمعن في كيفية تحقيق المملكة ومواطنيها للأهداف.
كما استعرض البيان التمهيدي كثيرًا من الإنجازات المحققة والمستمرة، إذ حقق الاستثمار الخاص نموًا سنويًا بمعدل 4.5% خلال النصف الأول من عام 2024م، فيما وصل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من عام 2024م إلى 21.2 مليار ريال.
هذه العينة من الأرقام التي تضمنها البيان التمهيدي لميزانية 2025م وما سبقها في هذا التقرير إضافة الى التطورات المالية والاقتصادية انعكست إيجابًا على آراء المصنفين حول التصنيف الائتماني السيادي للمملكة، حيث أكدت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" تصنيف المملكة عند A+ مع نظرة مستقبلية "مستقرة"، كما أكدت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" تصنيفها للمملكة عند "A1" مع نظرة مستقبلية "إيجابية"، وأكدت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" تصنيفها للمملكة عند "A" مع تعديل النظرة المستقبلية من "مستقرة" إلى "إيجابية"، حيث يأتي ذلك نتيجة استمرار جهود المملكة نحو التحول الاقتصادي في ظل الإصلاحات الهيكلية المتبعة وتبنّي سياسات مالية تساهم في المحافظة على الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي.
أما المنصفون من المراقبين والمحللين في كثير من الهيئات والمنظمات والجامعات حول العالم، فينظرون للمملكة اليوم وهي في النصف الثاني من طريقها نحو 2030 على أنها نموذج يحتذى به للقدرة على المواءمة بين التغييرات الثقافية والاجتماعية الإيجابية وتحقيق أهداف اقتصادية حملت في جنباتها الكثير من النواحي الإنسانية والبيئية لتحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين وتعظيم فرص استفادة المستثمرين وأصحاب الأعمال من كل ما يحدث.
المصدر: أرقام